21/01/2023 - 22:35

حوار | اعتقالات الأطفال الليلية.. وسيلة لزرع الرعب وترهيب الفلسطينيين

أفاد تقرير مركز الدفاع عن الفرد "هموكيد"، بأن المئات من الأطفال الفلسطينيين يتعرضون لاعتقال ليلي من قبل القوات الإسرائيلية، وذلك من دون إبراز أمر اعتقال ودون إخباره وذويه بالتهم الموجهة ضده.

حوار | اعتقالات الأطفال الليلية.. وسيلة لزرع الرعب وترهيب الفلسطينيين

(Gettyimages)

جاء في تقرير أصدره مركز الدفاع عن الفرد "هموكيد"، أن مئات الأطفال الفلسطينيين في جيل 13-17 عاما يتم انتزاعهم من منازلهم من قبل قوات الأمن الإسرائيلية في ساعات الليل المتأخرة، وأن كل اعتقال من هذا النوع يبدأ باقتحام قوة كبيرة من الجنود للبيت من دون إنذار، وضربات شديدة على الأبواب وفي بعض الأحيان "خلع" الباب بتفجير مرعب وإثارة الفزع بين جميع أفراد البيت كبارا وصغارا.

وأفاد التقرير، بانه في معظم الحالات يتم اقتياد الطفل للتحقيق من دون إبراز أمر اعتقال ودون إخباره وذويه بالتهم الموجهة ضده ولا مكان اقتياده، وفي كثير من الحالات يتعرض الطفل وأفراد عائلته للعنف الكلامي والجسدي من قبل عناصر القوة التي تقوم بالاعتقال، وأحيانا يقومون بتفتيش يزرع الخراب في البيت.

الأطفال ينتزعون من عائلاتهم في "سفرة مزعزعة" في أنحاء الضفة الغربية وهم مقيدو الأيدي ومعصوبو الأعين، وأحيانا من دون أن تعطى لهم فرصة ارتداء ملابسهم والتزود بثياب دافئة، وفي كثير من الحالات تمر ساعات منذ لحظة الاعتقال وحتى جلبهم للتحقيق من دون منحهم الحق في الطعام والشراب وقضاء حاجاتهم الحيوية.

هكذا يضطر أطفال فزعين ومرهقين، على حد وصف التقرير، المثول وحدهم للتحقيق في واحدة من محطات شرطة إسرائيل في الضفة الغربية، وأحيانا في مراكز التحقيق التابعة لجهاز الأمن العام (الشاباك)، من دون مرافقة أحد الوالدين ودون استشارة قانونية فعلية.

ويضيف التقرير أن عملية اعتقال طفل هي حدث صعب ومؤثر بحد ذاته، كما هو معروف، فكم بالحري عندما يكون اعتقال ليلي ومن بيته الذي هو المكان الأكثر أمانا وخصوصية في حياة الإنسان، إنها تجربة صادمة ذات تداعيات نفسية بعيدة المدى بالنسبة للطفل المعتقل وبالنسبة لأفراد العائلة الذين تواجدوا خلال هذا الحدث الصعب.

العديد من الأهالي اشتكوا بأن أطفالهم الصغار الذين مروا بتجربة اقتحام البيت وكانوا شاهدين على اعتقال أحد اخوتهم أخذوا يعانون على إثر ذلك من ظواهر مختلفة، بما في ذلك الخوف من النوم لوحدهم و"الترطيب الليلي"، بينما وثق بحث أجرته "منظمة أطباء لحقوق الإنسان" علامات ما بعد الصدمة لدى البالغين ولدى الأطفال نتيجة اقتحام قوة من الجيش لبيوتهم.

ويشير التقرير إلى صراع مركز حماية الفرد "هموكيد" منذ سنوات ضد الاعتقالات الليلية للأطفال ومطالبته الجيش الإسرائيلي بتقليص استخدام هذا الإجراء إلى الحد الأدنى، وأنه في اعقاب التماس قدمه عام 2020 الذي طالب فيه بإحضار الأطفال الفلسطينيين سكان الضفة الغربية للتحقيق عبر الطريق الصحيح من خلال استدعائهم بواسطة أهاليهم وليس من خلال اعتقالات ليلية مخطط لها من بيوتهم، أعلنت الدولة عن بلورة "نظام" لغرض استدعاء للأطفال الفلسطينيين للتحقيق.

إلا أن المعطيات الحديثة التي جمعها المركز تشير إلى عدم حدوث أي تحسن في هذا المحال بل إلى تصعيد، حيث ما زالت الاعتقالات الليلية هي الوسيلة الأولى لجلب الأطفال للتحقيق وذلك دون علاقة لخطورة الاتهامات الموجهة اليهم، حيث أفاد التقرير الذي صدر حديثا بأنه من بين 125 حالة اعتقال ليلي مخطط لها مسبقا جرى رصدها من قبل المركز عام 2022 لم تجر أي عملية استدعاء مسبق قبل الاعتقال.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" مدير مركز الدفاع عن الفرد "هموكيد"، جسيكا مونتيل، لإلقاء المزيد من الضوء على هذه القضية.

"عرب 48": التقرير يفيد بأن الاعتقال الليلي والذي هو بمثابة "عملية" ترهيب مرعبة بالنسبة للطفل وأهله وربما أهل الحي الذي يسكنه أيضا، يتم بغض النظر عن خطورة التهمة أو الجنحة التي يتهم الطفل بارتكابها، والتي ربما ينتهي الاعتقال في بعضها بعد تحقيق عادي في محطة الشرطة؟

جسيكا مونتيل (تويتر)

مونتيل: صحيح فقد رصد المركز أنه من بين 58 طفلا هم الأطفال الذين جرى اعتقالهم في الفترة الممتدة ما بين شهري أيار/ مايو حتى تشرين أول/ أكتوبر 2021، قد جرى تسريح 36 طفلا إلى منازلهم خلال فترة وجيزة دون أن يتم تقديم أي اتهامات بحقهم، وقد جرى احتجاز بعضهم لفترات لا تتعدى بضعة أيام أو حتى ساعات قليلة في بعض الأحيان.

وعليه فنحن نطالب بتوفير كل هذا "الجهد المكلل" بالآليات والجنود بغية إحضار طفل يافع إلى مركز الشرطة، بالعمل وفق الإجراء القانوني المشروع المتبع والمتمثل بإرسال استدعاء للطفل وتمكين عائلته من إحضاره بنفسها إلى مركز التحقيق، قبل القيام بهذه "العملية".

ولذلك عنوننا تقريرنا بـ125 "اعتقال مقابل 0 استدعاءات"، وما زلنا نرى أنه من الحري اللجوء إلى الإجراء المتبع باستدعاء الطفل وتمكينه من الحضور نهارا مع أهله إلى مركز التحقيق، بعد أن يكون قد حظي باستشارة قانونية وتناول وجبة طعام وتزود بملابس دافئة، وخصوصا أن الجنح التي توجه لغالبية الأطفال تهما بتنفيذها هي جنحا خفيفة لا تستحق كل هذا "العناء"، وما نطالب به هو توفير هذا الحق لهؤلاء الأطفال قبل القيام بعمليات الاقتحامات الليلية المفزعة.

"عرب 48": ولكن من وجهة نظر جيش الاحتلال يبدو أن المهمة لا تكتمل دون حملة الترهيب المتمثلة بعملية الاعتقال الليلي وما تتضمنه من "طقوس" ، ويكفي إلقاء نظرة على إحدى الشهادات التي وردت في التقرير لإثبات ذلك، حيث يروي أحد الأطفال الذين جرى اعتقالهم، كيف اقتحموا بيته في الساعة الثالثة فجرا بعد أن خلعوا الباب ودخل 40-30 جنديا، وسط فزع الأهل وبكاء شقيقيه الصغيرين، وكيف عزلوا جميع أفراد البيت في غرفة واحدة وأدخلوه إلى غرفة أخرى مع 5-6 جنود جميعهم ملثمين ثم قاموا بتفتيش البيت وهم يخربون ويكسرون الأثاث والأواني..

ويقول الطفل المعتقل: "أخذوني من البيت بالبيجاما بعد أن كبلوا يدي وعصبوا عيني، ثم اقتادوني مسافة أربع كيلومترات في أرض صخرية برفقة مجموعة كبيرة من الجنود، وعلى طول الطريق ضربوني بأيديهم وبأعقاب بنادقهم وانهالوا علي بالشتائم وعندما وصلنا إلى المكان المحدد أدخلوني إلى "كرفان" وأنزلوا العصبة عن عيني ورموني على الأرض وأنا مكبل اليدين، ثم بقيت حتى الساعة التاسعة صباحا دون أن يسمحوا لي حتى بقضاء حاجتي..

طبعا، الشهادة تثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن العملية هي ليست فقط إحضار قاصر للتحقيق بل هي جزء من عملية التحقيق ذاته، إضافة غايتها في دب الرعب في نفوس الأطفال وأهاليهم واثبات سيادة المحتل؟

مونتيل: لقد قمنا بصياغة مطالبنا خلال مراسلاتنا وفي الالتماس الذي قدمناه للمحكمة العليا بحذر تام، وحتى بالنسبة للجيش الإسرائيلي فإن إرسال 20 جنديا مع آلياتهم إلى قلب مخيم لاجئين في منتصف الليل من أجل جلب طفل للتحقيق هي عملية فيها الكثير من المخاطر وتبديد للموارد، ولذلك نحاول التفكير لماذا لا يقومون بأي جهد أو محاولة لإحضار الأطفال بطرق أخرى ونضطر للوصول إلى هذا الاستنتاج بأن الوسيلة هي جزء من الهدف، بمعنى أن القضية هي قضية ترهيب.

"عرب 48": أشرتم إلى أن الوضع قد تفاقم أكثر بعد الإعلان عن "النظام" الذي قدمه جيش الاحتلال الإسرائيلي لدى لتداول في الالتماس الذي قدمتموه بهذا الخصوص عام 2021؟

مونتيل: الصحيح أن "النظام" الذي أعلنه الجيش الإسرائيلي في الجلسة المذكورة كان يزخر بالاستثناءات التي تعطيه الحق بممارسة الاعتقال الليلي ضد الأطفال الفلسطينيين، حتى أن الاستثناءات طغت على القاعدة وكانت النتيجة أنه بعد سنة من الإعلان عنه شكلت الاعتقالات الليلية التي لم يسبقها استدعاء 100% من الحالات.

من جهتنا لم نقبل في حينه بهذا الترتيب وقدمنا التماسا مصححا بناء على طلب العليا، والذي كان من المفترض أن يجري بحثه الأسبوع الفائت وجرى تأجيل البحث إلى شهر آذار/ مارس القادم، وقد قدمنا المعطيات التي وردت في التقرير لتعزيز ادعائنا ضد "الترتيب" المذكور والذي صعد من الاعتقالات الليلية بدلا من تحجيمها.

"عرب 48": المعطيات تتحدث عن الناس الذين توجهوا للمركز فقط وربما تكون الأرقام الفعلية أكثر بكثير؟

مونتيل: للتوضيح فإن الأهالي في الأراضي المحتلة لا يتمتعون بالحق الذي يتمتع به المواطن الإسرائيلي، الذي إذا اعتقل ابنه أو أحد أفراد عائلته يستطيع الاتصال بأقرب مركز شرطة والاستفسار عن وضعه ومكان اعتقاله، ولذلك فإن الخيار الوحيد الموجود أمامهم هو الاتصال بمركز حماية الفرد "هموكيد"، الذي يقوم بدوره بالتوجه إلى سلطات الجيش، وفق اتفاق حصلنا عليه بعد التوجه بالتماس للعليا يلزم الجيش بتزويدنا بمعلومات عن الشخص المعني خلال 24 ساعة.

لذلك فإن آلاف العائلات تتصل بنا لهذا الغرض وقد أحصينا الاتصالات التي جرت بخصوص أطفال قاصرين خلال السنة الماضية 2022، إذ بلغت 294 بينها 125 حالة اعتقال مخطط لها وقعت بعد منتصف الليل وجرت جميعها دون إرسال استدعاء مسبق.

"عرب 48": الإحصائيات لا تشمل القدس التي تعاني من حالة متفاقمة من اعتقالات الأطفال القاصرين؟

مونتيل: صحيح، سكان القدس الفلسطينيين يسري عليهم "قانون الشبيبة" الذي يسري على الإسرائيليين، وبهذا المعنى فإن منظومة قانونية واحدة تسري على الفلسطينيين والإسرائيليين بعكس سائر أنحاء الضفة الغربية التي يسري فيها القانون الإسرائيلي على المستوطنين والقانون العسكري على الفلسطينيين، أي وجود منظومتين قانونيتين وهو ما يشبه واقع "أبارتهايد".

لكن في القدس أيضا ورغم سريان "قانون الشبيبة" فإن هناك الكثير من الاستثناءات التي تخص "المخالفات الأمنية"، والتي يجري استخدامها بشكل واسع ولكن يبقى الوضع "أفضل" منه في الضفة الغربية.

وبالنسبة لعدد الاعتقالات، فإن معطياتنا تشير إلى أنه رغم أن الفلسطينيين يشكلون 40% من سكان "المدينة الموحدة"، فإن نسبة اعتقال الأطفال الفلسطينيين تبلغ ضعفي نسبة اعتقال الأطفال الإسرائيليين وأنا لا أتصور أن هناك طفلا يهوديا يقومون باعتقاله بعد منتصف الليل.

التعليقات